تحولت جولة سنان وسط مدينة تعز صباح اليوم الخميس، إلى مسرح دموي.
الرصاص اخترق جسد الأستاذة افتهان المشهري، مديرة صندوق النظافة والتحسين، لتسقط صامتة على أرض كانت تحلم أن تراها أنظف وأجمل.
المشهري.. مشقرة تعز ورمز نظافتها
لم تكن مجرد موظفة حكومية، كانت ابنة أسرة تجارية محترمة، أكاديمية في جامعة تعز، وامرأة اشتهرت بالنزاهة والشجاعة في مواجهة الفساد والابتزاز.
ووصفتها أوساط المدينة بأنها "مشقرة تعز" وعنوان نظافتها ورمزها الصادق، فهي المرأة التي حملت على عاتقها همّ مدينة مثقلة بالقاذورات والفوضى، وسعت لإحياء مشاريع تدوير المخلفات وتجميل الشوارع رغم كل العراقيل.
اغتيالها في وضح النهار بدا وكأنه استهداف لمعنى النزاهة ذاته، ورسالة بأن النقاء لا مكان له في مدينة أنهكها الفساد والسطوة.
قبل أيام فقط، جلست بهدوء مع رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في عدن، حاملة ملفات مشاريع بيئية لتطوير مدينتها، لكنها أخفت لقاءها خوفاً من أن يترصدها الفاسدون.
الذين لم يحتملوا أن تكون امرأة أنقى من فسادهم، قرروا إخماد صوتها بالرصاص.
مذكرة رسمية وبلاغات سابقة ضد المتهم
وثائق رسمية كشفت أن اغتيال المشهري لم يكن حادثاً عابراً، إذ سبق لمحافظ تعز نبيل شمسان أن وجه مذكرة إلى مدير الأمن تطالبه بسرعة ضبط المدعو محمد صادق المخلافي الملقب بـ"الباشق" بعد تورطه في اقتحام مبنى الصندوق وتهديد موظفيه.
كما أصدر عمال وموظفو الصندوق بيانًا آنذاك اتهموا المخلافي بممارسة البلطجة وإغلاق المبنى بالقوة، محذرين من مخاطر تماديه دون رادع.
لكن تلك البلاغات لم تجد طريقها إلى التنفيذ، حتى انتهت بجريمة اغتيال مديرة الصندوق في جولة سنان.
الصدمة في الشارع كانت هائلة، عاملون في صندوق النظافة أعلنوا الإضراب وأغلقوا شارع جمال، وملأوا الطرق بالنفايات كرسالة غضب.
نساء خرجن يهتفن مطالبات بالعدالة، وناشطون كتبوا: "تعز انتهت باغتيال امرأة.. لأنها كانت أنظف من فسادهم".
تعز، التي أنهكتها الحروب والانقسامات، وجدت نفسها أمام جريمة غير مسبوقة، اغتيال امرأة في وضح النهار، فقط لأنها وقفت ضد القذارة ـ قذارة الشوارع وقذارة الفساد معاً.
اليوم، اسم افتهان المشهري صار رمزاً.. رمزاً لمدينة تبحث عن العدالة، ولشعب يرى في دمها مرآة لفشل سلطاته وعاراً يلاحق نخبته.
وربما أيضاً، وعداً بأن أصوات النقاء قد تُغتال، لكنها لا تموت.
